موضوع: الإخلاص واتباع الرسول سبب قبول الحج الإثنين أكتوبر 08, 2012 4:40 pm
<blockquote>وصايا نبوية
الإخلاص واتباع الرسول سبب قبول الحج
دفعني لكتابة هذه الوصايا حبي لك وحرصي على أن يكون حجك مقبولاً واستجابة لأمر ربنا جل وعلا حيث يقول: «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر». وأولى هذه الوصايا:
إخلاص النية لله فاجعل هدفك وراء هذه الرحلة المباركة وجه الله وامتثال أمره واجتناب نهيه وتطبيق شرعه. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). فاقصد بحجك وعمرتك وجه الله والدار الآخرة لا الدنيا. فهذا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «حج على رجل وقطيفة ما تسوى إلا دراهم معدودة، ومع ذلك قال: «الله حجة لا رياء فيها ولا سمعة».
وأتساءل ما الذي تقصده بحجك؟ ثناء الناس ومدحهم أم وجه الله؟ يجيبك عن هذا التساؤل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». فالله عز وجل جعل للعبادة شرطاً أساسياً لا تتم ولا تنفع إلا به وهو إخلاصها لله وحده، فالعبادة أياً كانت فعلية أو قولية لا تسمى عبادة ولا تكون نافعة إلا إذا صدرت من مؤمن وتوفر فيها الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم والإخلاص الذي يريده الله ويتوقف عليه قبول العمل هو إفراد الحق تعالى بالطاعات وقصده دون غيره وتجريدها من قصد المحمدة أو الثناء أو أن يكون باطن العمل كظاهره أو أحسن وأن يخشى الله ويراقبه في الغيب يخشاه ويراقبه في وحدته ومع جلسائه. فالعبادة إن كانت لله، فهي خير، وإن كانت للتضليل والمباهاة فهي شر، فالناس يقفون جميعاً للصلاة في مصلى واحد ومع إمام واحد، ويركعون ويسجدون سواء فمنهم المقبول لإخلاصه وتقواه ومنهم المردود لريائه وخبث نواياه ويقفون في صف الجهاد وتحت قيادة واحدة ويقتلون، ومنهم من هم بعد القتل تروح أرواحهم وتغدو في الجنة أحياء عند ربهم يرزقون، ومنهم من يسحب على وجهه وتلقى في النار، فالأول جاهد إخلاصاً لله وفي سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، والثاني جاهد رياء ومفاخرة ومباهاة، وقد ورد بذلك الحديث، فالإخلاص هو سر نجاح العبد وفلاحه في دنياه واخراه. كما أن الرياء يحبط العمل وهو شر في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه أحداً غيري تركته وشركه). وثاني هذه الوصايا:
التوبة والإنابة إلى الله فإن الحج باب عظيم لحط الأوزار وإقالة العثرات وغفران الذنوب والعتق من النار.. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد». في هذه الأحاديث وغيرها دليل على عظم شأن الحج وأنه أحد أبواب التوبة ومغفرة الذنوب، والواجب على المسلم أن يبادر إلى التوبة إلى الله عز وجل لينال بذلك الفلاح وليحصل وافر الأجر وعظيم الأرباح. قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون). والتوبة من أجل الأعمال وأحبها إلى الله، قال عز من قائل: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، بل إنه سبحانه يفرح بتوبة التائبين مع أنه سبحانه غني حميد.
والتوبة هذه العودة إلى الله والاستغفار الذي يصطحبه شعور بالندم على ما مضى وتوجه إلى الله فيما بقي والكف عن الذنب مع عمل صالح يحقق التوبة بالفعل كما يحققها بالترك. قال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). يا لسماحة هذا الدين، إن الله سبحانه لا يدعو الناس إلى السماحة فيما بينهم حتى يطلعهم على جانب من سماحته سبحانه معهم ليتذوقوا ويتعلموا، تأمل الآية السابقة: الفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها، ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها من رحمة الله ولا تجعلهم في ذيل القافلة، قافلة المؤمنين، إنما ترتفع بهم إلى مرتبة، إنها مرتبة المتقين، على شرط واحد هذا الشرط يكشف لنا عن طبيعة هذا الدين ووجهته أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم وألا يصروا على ما فعلوه يعلمون أنه الخطيئة وأن يكونوا في إطار العبودية لله والاستسلام له في النهاية. فيظلوا في كنف الله وفي محيط عفوه ورحمته وفضله.
إن ديننا الإسلام دين عظيم يدرك ضعف المخلوق البشري الذي تدفعه نزواته وشهواته وأطماعه إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع إن هذا الدين يدرك ضعفه فلا يقسو عليه ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه يرتكب المعصية الكثيرة. والإسلام لا يدعو بهذا إلى الترخص إنما هو تقيل عثرة الضعف ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء كما يستجيش فيها الحياء، فالمغفرة من الله من يغفر الذنوب إلا الله؟ فاعلم أيها الحاج وأيها المسلم أن باب التوبة مفتوح مهما بلغ الجرم وعظم الإثم قال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات). بل لقد قال جل وعلا في شأن المنافقين: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا).
وقال في شأن النصارى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم). وقال في شأن أصحاب الأخدود: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) قال الحسن البصري في هذه الآية: «انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياء الله وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة» ولهذا لا يحل لأحد أن يقنط الناس من رحمة الله. مهما بلغت ذنوبهم وكثرت، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله عز وجل. فعلى العبد أن يبادر بالتوبة قبل فوات الأوان وقبل إغلاق باب التوبة لأن باب التوبة لا يغلق إلا عند طلوع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تنفع التوبة. قال تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا). والمراد ببعض الآيات طلوع الشمس من مغربها فسرها بذلك الرسول، صلى الله عليه وسلم، حين قال من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه وكذلك يغلق باب التوبة عند حضور الأجل ومعاينة ملائكة الموت، قال سبحانه «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن».
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر». فيا عبدالله تُب إلى الله من كل ذنب واستوف شروط التوبة. فالتوبة المقبولة شروطها الإقلاع عن الذنب، الندم على ما سلف من الذنوب. أن يعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، وإن كانت المعصية تتعلق إلى أدمي فشروطها أربع هذه الثلاث ويُضاف إليها رد المظالم إلى أصحابها إن كانت أموالاً أو غيرها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا فمع أنه المعصوم ومع ذلك كان يتوب إلى الله ويستغفره فهو القائل «والله إني لأتوب إلى الله واستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة». أيها الحاج إن التوبة مهمة في باب المناسك حتى تقدم على ربك وتدخل بيته على طهر ونظافة. وثالث هذه الوصايا: التحلي بالأخلاق الإسلامية العالية والآداب الشرعية الرفيعة. أيها الحاج أنت مطالب بأن تضبط أخلاقك في فترة الحج وسط أكثر من أربعة ملايين ان حسن الأخلاق في الإسلام من الأهمية بمكان حيث اعتبره الشارع مقصداً من مقاصد النبوات والرسالات. قال صلى الله عليه وسلم «إنما بُعثت لأتتم مكارم الأخلاق».
قال سبحانه «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب». في هذه الآية نجد أن الله ختم بها أعمال الحج وختم الآية بالتقوى، والتقوى مطلب مهم في كل عبادة يقوم العبد بأدائها ومن التقوى مجاهدة النفس وترك المعاصي والذنوب. كيف لا وهو يعيش في شهر حرام وعلى أرض الحرم ويلبس لباس الإحرام. فاغتنم أخي الحاج شرف الزمان والمكان في طاعة الله وعبادته وذكره وتذكر وأنت تتنقل بين المشاعر واجعل نصب عينيك قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه». يقول الإمام الرازي رحمه الله: الرفث هو الفحش وهذا قهر للقوى والشهوانية، والفسوق هو الخروج عن الطاعة وهذا قهر للقوى الغاضبة، ولا جدال في الحج وهذا قهر للقوى الوهمية الشيطانية.
حسن الخلق الحج تدريب قاسٍ على انضباط الأخلاق لأن الكل حريص على حسن الخلق فلا تتكلم بصوت عالٍ ولا تشتم أحداً ولا تسب أحداً ولا تظلم أحداً فلا قيمة لحجك بدون أثر الأخلاق. فمن أعظم الأعمال وأحبها إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الخلق الحسن. فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها». أتدرون ما هو حسن الخلق؟ لقد عرّفه لنا الإمام الزاهد عبدالله بن المبارك فقال: «هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى». إن الأخلاق تتبوأ في الإسلام أسمى المواقع وأعلى الدرجات، إنه من أكثر الأعمال التي تدخل الجنة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: حسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ الفم والفرج والجزاء من جنس العمل فخلق الرحمة تنال به رحمة أرحم الراحمين (إنما يرحم الله الرحماء).